" نسيتُ من يدهِ ، أن أسترد يدي "


20 يناير 2012

مساكنٌ في الذاكرة .





- ١ - 
الخارطة التي لاتدلك على مكان تستجم به ، لاتأكل قلبك بل هي تدير بوصلتك إلى جهتها الخامسة إلى فضائها الذي لاتستطيع رؤيته ولا لمسه ، ولا حتى شمّه .. لكن يمكنك المكوث به كما أن هذه الجهة لاتتضمن موتى ولا أحياء … وستتساءل عن سبب لوجود شيء كهذا ، لكنيِّ أعتذر عن إجابتك . ستدلك الخارطة ولن تدع يدك إلا وقد طوت أناملك على جواب .


- ٢ -
العجوز العمياء في آخر الشارع الذي خلف منزلنا لها دائرة وجه مصقولة جدا ، ولها إصبع في قدمها يزيد عدد أصابعها الطبيعي لكنه لا يساعدها على حث خطوتها ، قالت لي ذلك حين أحسّت أني أطيل التأمل فيه … ثم ابتسمت ، كنتُ صغيرة آنذاك ومع ذلك لم تغب عن وجهي طريقة تحسسها للماء بصورة غريبة كانت حين تهم بتناول دواءها وبيدها كأس ينصفه سائل شفاف تصب قطرتين منه على طرف معصمها الأبيض وتبدأ في تحسسه حتى يجف وهي تتمتم بشيء لا أفهمه . كان الإسم الوحيد الذي يفر من شفتيها في كل مرّة تفعل ذلك هو “ متعب “ .. ترمي حبة الدواء في آخر فمها وبطريقة أراها استعراضية تكتم شهقة تكاد تفلت في ذات الآوان تبتلعها مع الماء . كل هذا يحدث أمامي تحت وطأة الشفقة والتعجب وأقول في نفسي أني حين أكبر سأحافظ على قدمي حتى لا يخرج لي إصبع زائد ، وحين أنجب صغيرا لن أسميه “ متعب “ … وسأرى مفعول تحسس الماء .
أدركت حين غفلة أننا نكبر في العدّ .. وأن خارطة العمر الحقيقة ذات جهتين لاثالث لهما . تتوسطهما فجوة نموت فيها ونندفن تحت خيبات الدنيا … وحين ينبت لنا إصبعا في الرأس نخرج لإكمال السير إلى الجهة الأخرى برأس ذو أصبع ..  




- ٣ -
ثم أن هذه هي رسالة الهواء التي ألتصقت بي ذات نسيم . 





عزيزتي واو ، بعد التحية والقلق الذي يرتابني عليكِ .. كوني كما تشائين أن تكوني وابعثي لي بحديثكِ المتربص في جوفكِ ربما تُشفين حين تتحدثين لي .. أو يزيد بكِ منسوب المرض الكلامي فتموتين ( بكماء ) ، ثم أن السماء يا روحي لا تجيد التقاط اثنين فقط هي بارعة في أن تلتقط أكثر من ذلك فوق ماتتصورين .. فوق ماتتنفسين .. فوق ماتثرثرين وتدّعين بأنكِ جيدة في حالكِ هذا ! كم مرة تنامين في نومكِ .. اقصد كم مرة لاتكذبين حين تنامين وتخطين خط عينيكِ وكأنك الأكثر سلاما من الداخل وأنتِ لست كذلك ! هل تحلمين بكِ ؟ ماذا عن مقطوعة Clg . اما زلتِ تمارسين استماعها وأنتِ تبكين فقدكِ اما زلت تأكلين وتلفظين يومكِ ولم يتسنى لكِ بعد تذوقه .. اعرف أنكِ لا تحبين الاستماع إلى النصائح المبتذلة فضلا عن تطبيقها لكن مالا أعرفه سر تشبثكِ بنصيحة واحدة انزلقت من لساني في لحظة غضب عليكِ ( لم لا تموتين !! ) وها أنتِ مشرعة في التنقيب عن الموت تبعثين بروحكِ ألف مرة إلى السماء لكنها ترتد إليك مغطاة بالخيبه .. ويا لخيبتكِ !
ماذا عن قصاصة صورتكِ القابعة في رأسكِ .. كم ساعة من اليوم تقضينها في النظر إلى ما وراء عينيكِ بها ؟ كم حنينا يقتصُ منك ؟ كم انشودة تتسرب من فاهكِ إليها ؟ وماذا عن سر رأسك المائل لجهة القلب ؟ هل مازال مائلا ؟ لم لا تخاطبين هذا الرأس .. جربي أن تخاطبي النجم في سماء الصورة ! 
دعيني أخبركِ بشيء … كل ما هو لا إنساني سيجيب عليكِ فقط .. لأن الإنسانيون ماتوا ولم يتبقى منهم سواكِ وثلة من اشباهكِ في العيش . خاطبي أنكيدو الآن .. تكلمي بعفوية مع الآلهه واحفري حزنكِ قبل قبركِ ربما تنامين في الحزن أولاً . هذه هي الرسالة التي تنتظرينها مني .و كأني بكِ تتمتمين بلغة تضمر حرفا .. وحرفاً يضمر قلب والإنتظار دائما “ أنشودة القدر “ ، أحياء أم لم نكن  يا واو ..قولي لهم : لا تجتمعوا حولي فالموت يزورني في كل حين من اليوم الواحد أخاف أن تغريه إبتسامة ثغر أحدكم فينقضُّ عليها .. أخاف أن تتجمد الأشياء في حضرتي والموت سيد الموقف . الموت الشيء الهلامي الذي يطوف في عيني حين أشرع في تأمل بشر ما . وأعرف ياواو بما يقوله لسان حالكِ بأن الموت غرفة زجاجية تأخذك إلى داخلها وأنت حيْ .. تتنفس ويعود إليك نفَسك .. تصرخ ويقتحم صراخك أذنيك أولا .. تنام وأنت تتمتم “ ماحد من الناس صاحي يسهر يداوي جراحي “ .. خاطبي جلجامش تحدثي مع الملاحم .. خاطبي “لوركا" وصديق الزمن “ مراد “ .. نامي في حضرة “إدوارد”  وحزن “ درويش “ وداعبي قلب “فروغ فرخزاد” بعد أن تنهين قصيدة “ سيد البيد “ التي كتبها من أجلكِ .. رسالتي انتهت يا واو .. أتمنى أن تنتهي منها قبل حضوركِ إليّ في الموت .



- ٤ - 
أنا “ واو “ يا الله . أنا المعنية في الرسالة ، ثم أنها غيبيات أتعهد بعدم لمسها لكنها تُشرع في ذلك ، فأخر خاشعة  من سوء فعلتي ..
يارب عنقي طويل ولست ممن يستطيع الإنحناء . فارفعها أكثر ولاتؤاخذني فكلّ شيء يبدو بلا لون حين تكون كذلك .


كم تبقى على الموت يالله ؟
أم أني ميتةٌ فعلا لكن الإستجابة الطبيعية لم تقم بدورها . ربما حقا أنا ميّتة . ربما أن أختي لا تصرخ بي الآن ، ربما أن هذه الهالة التي تحيط بي هي سحابة تحاول التكون كي تبتلعني 
وربما أن دقة الساعة التي تزعجني الآن لا تذكرني إلا بالرسالة الأخيرة . ماذا تبقى على الحياة يالله ؟
طريق واحد أذعنت له وركزت كل خطوي على مساره لم أجعل رأسي يميل إلى غيره .. طريق واحد كنتُ فيه الفتاة الصالحة وهذا هو الساخر في الأمر ، أني - الفتاة التي لا تنفك عن السكك - موبؤة بها وكأن أمي أنجبتني في طريق سفر كأن صدمة الميلاد بي أني أسافر حقا من النعيم إلى الجحيم وأرى كمية قسوة تتزاحم على ملء كل بوصة في هذا الكون .. كم تبقى من الحياة يالله؟
طريق واحد ذو سكة معوجة - تشبه الندبة على مقدمة رأس أبي - جعلته مقدمة حياتي وأشرعتُ فيه كما لم تشرع الكائنات في شيء قط . كما لم لو أني أتحسس وقعا موسيقيا بأثر قدمي في الهواء الذي يصطدم بهذه السكة .. كما لو أن هذه الموسيقى هي Clg في القطع قبل الأخير ، كل الذي أعرفه يالله أني مقاما لايناسبه أي لون من ألوان الدنيا .. وأنت تعلم يالله بأني أحيد لذا تحيد معي ألواني لذا أنا رمادية لدرجة الشفافية لذا لا أحد يستطيع معرفة إن كنت ألتصق به أم أني أتدلى من السماء .لذا كنت - الكائن الذي لا تُحتمل شفافيته -  ، كم تبقى على الإختفاء يالله ؟ يكفيني خواء الكائنات لأتخم . يكفيني صوت إمرأة تصرخ من آخر العالم لأهترى وأنين رجل تتسلل إليّ حشرجة قلبه عبر الشارع الذي يفصل بيتي عن بيته لأنضج حدّ القطف ويأكلني العفن بمجرد القطف .
صغيرةٌ تلك التي حدثتني عن الحياة يالله وكأنها تشيرُ إلى عِلب المشروبات التي تجمعها من القمامات لتصلق على جانبيها قطعتي - الماصّه - ثم تشرع في كل أفعال الأمومة مع تلك العلب المعدنية ، ربما هي محقة حين أقسمت أن لا تتعامل مع الآلات البشرية على أنها بشرية .. صغيرة لكنها تعرف كيف تكبر حين تريد .. تعرف كيف تعطي العالم حين يكون لديها مايستحقُّ العطاء حتى لو كانت ابتسامة تخطها أسفل وجهها الصغير لآلة تصوير أحدهم !
لكني يا الله ليس لدي ما يستحق أن يٌعطى .
ليس لشيء أن أكون حتى بالظلّ شيءٌ هلامي .. وكأن الشمس لاتستطيع إظهاره ربما أظهرتني مرة أو مرتين لنقل سبعا - والعلم عند ذاكرتي - لكنني حتى في هذه السبع أظلّ هلامية على القابعين في الظل معي والقابعين فيما دون الظل كذلك .. رسالة واحدة يا الله  أعيت كلّ مابي صرتُ كمن تتخطى أموات وتخافُ صراخهم .. صرتُ كمن تسير بنصف جسد حتى تستوعب أنه يتوجب عليها وهب هذا النصف أيضا .. ربما أن أحدهم يحتاج إلى مايكمله ولستُ بمن تشحُّ بمثل ذلك !
“ وجب الإعتذار “ وليس بيدي خصوبة تكفي لزرع زهرة بها تُقدَّم معه ، صوتٌ واحد غنى وقلب مات إثر تلك الأغنية وأمنية كلما تزحزت إلى التحقق ركلتها قدم تلاحق ما أسقطه النجم في الصورة المذكورة في الرسالة الأخيره .. 

ثم أن أطوي صحيفة حياتي بعد أن أكتب لك عن موتك وهل كان بنفس طريقة موتي .. أرجوك أيها المرسل ضع لي شيئا من السماء أُفرغ عليه حملي في كل مرة يضيق بي الكون وأخلد إليك ..



- ٥ -
هكذا يكون معنى أن قلبٌ واحد كتب له العيش بقالبين .. أنا أعيش بقلب ليس لي ، لأن الموت أخبرني في الرسالة الأخيرة كم يكلف أن أعيش بقلب بعث به من أجلي .. الموت قال : ( خبئي قلبكِ ستجدينه في مكان ما حين يخبرك الله كم تبقى على مجيئي ) .